سورة الأنعام - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله عز وجل: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض} قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة وآخر آية في التوراة قوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً} الآية وفي رواية عنه أن آخر آية في التوراة آخر سورة هود قال ابن عباس: افتتح الله الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وختمه بالحمد فقال تعالى: {وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وفي قوله: {الحمد لله} تعليم لعباده كيف يحمدونه أي: قولوا الحمد لله. وقال أهل المعاني لفظه خبر ومعناه الأمر أي احمدوا الله وإنما جاء على صيغة الخبر وفيه معنى الأمر لأنه أبلغ من البيان من حيث إنه جمع الأمرين ولو قيل احمدوا الله لم يجمع الأمرين فكان قوله الحمد لله أبلغ وقد تقدم معنى الحمد في تفسير سورة فاتحة الكتاب بما فيه مقنع الذي خلق السموات والأرض أي احمدوا الله خلق السموات والأرض وإنما خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد لأن السماء بغير عمد ترونها وفيها العبر والمنافع والأرض مسكن الخلق وفيها أيضاً العبر والمنافع {وجعل الظلمات والنور} الجعل هنا بمعنى الخلق أي وخلق الظلمات والنور. قال السدي: يريد بالظلمات، ظلمات الليل والنهار، وبالنور، نور النهار. وقال الحسن: يعني بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان. وقيل: يعني بالظلمات الجهل وبالنور العلم. وقيل: الجنة والنار. وقال قتادة: خلق الله السموات قبل الأرض وخلق الظلمات قبل النور وخلق الجنة قبل النار.
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه ضل» ذكره البغوي بغير سند {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} يعني والذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يشركون وأصل العدل، مساواة الشيء بالشي. والمعنى: أنهم يعدلون بالله غي الله ويجعلون له عديلاً من خلقه فيعبد ون الحجارة مع إقرارهم بأن الله خلق السموات والأرض. وقال النضر بن شميل: الباء في قوله بربهم بمعنى عن أي عن ربهم يعدلون وينحرفون من العدول عن الشيء وقبل دخول ثم في قوله ثم الذين كفروا بربهم يعدلون دليل على معنى لطيف وهو أنه تعالى دل به على إنكاره على الكفار العدل به وعلى تعجيب المؤمنين من ذلك ومثال ذلك: أن تقول لرجل أكرمتك وأحسنت إليك وأنت تنكرني وتجحد إحساني إليك فتقول ذلك منكراً عليه ومتعجباً من فعله.


{هو الذي خلقكم من طين} يعني أنه تعالى خلق آدم من طين وإنما خاطب ذريته بذلك لأنه أصلهم وهم من نسله وذلك لما أنكر المشركون البعث وقالوا مَن يحيي العظام وهي رميم أعلمهم بهذه الآية أنه خلقهم من طين وهو القادر على إعادة خلقهم وبعثهم بعد الموت. قال السدي: لما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم بعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بقبضة منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني فراجع ولم يأخذ منها شيئاً فقال: يا رب عاذت بك فبعث الله ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث الله ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره وأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء؛ فلذا اختلفت ألوان بني آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلفت أخلاقهم ثم قال الله لملك الموت رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب» أخرجه أبو داود والترمذي وأما قوله تعالى: {ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده} فاختلف العلماء في معنى ذلك فقال الحسن وقتادة والضحاك: الأجل الأول، من وقت الولادة إلى وقت الموت. والأجل الثاني: من وقت الموت إلى البعث، وهو البرزخ.
ويروى نحو ذلك عن ابن عباس قال: لكل أحد أجلان: أجل إلى الموت، وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان الرجل براً تقياً وصولاً للرحم زيد له من أجل البعث إلى أجل العمر، وإن كان فاجراً قاطعاً للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث وذلك قوله: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب} وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الأجل الأول أجل الدنيا، والأجل الثاني أجل الآخرة. وقيل: الأجل هو الوقت المقدر فأجل كل إنسان مقدر معلوم عند الله لا يزيد ولا ينقص.
والأجل الثاني: هو أجل القيامة وهو أيضاً معلوم مقدر عند الله لا يعلمه إلا الله تعالى وقال ابن عباس في رواية عطاء عنه ثم قضى أجلاً يعني النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند الانتباه وأجل مسمى عنده هو أجل الموت وقيل هما واحد ومعناه ثم قضى أجلاً يعني قدَّر لأعماركم تنتهون إليها وهو أجل مسمى عنده يعني أن ذلك الأجل عنده لا يعلمه إلا هو والمراد بقوله عنده يعني في اللوح المحفوظ الذي لا يطلع عليه غيره {ثم أنتم تمترون} يعني ثم أنتم تشكون في البعث.
قوله عز وجل: {وهو الله في السموات وفي الأرض} يعني وهو إله السموات وإله الأرض. وقيل: معناه وهو المعبود في السموات وفي الأرض. وقال محمد بن جرير الطبري: معناه وهو في السموات {يعلم سركم وجهركم} في الأرض. وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض. وقيل: معناه وهو المنفرد بالتدبير في السموات وفي الأرض لا شريك له فيهما. والمراد بالسر، ما يخفيه الإنسان في ضميره فهو من أعمال القلوب وبالجهر وما يظهر الإنسان فهو من أعمال الجوارح والمعنى: أن الله لا يخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض {ويعلم ما تكسبون} يعني من خير أو شر، بقي في الآية سؤال وهو أن الكسب إما أن يكون من أعمال القلوب وهو المسمى بالسر أو من أعمال الجوارح وهو المسمى بالجهر فالأفعال لا تخرج عن هذين النوعين يعني السر والجهر فقوله ويعلم ما تكسبون يقتضي عطف الشيء بالجهر فالأفعال لا تخرج عن هذين النوعين يعني السر والجهر فقوله ويعلم ما تكسبون يقتضي عطف الشيء على نفسه وذلك غير جائز فما معنى ذلك وأجيب عنه بأنه يجب حمل قوله ويعلم ما تكسبون على ما يستحقه الإنسان على فعله وكسبه من الثواب والعقاب والحاصل فيه أنه محمول على المكتسب فهو كما يقال: هذا المال كسب فلان أي مكتسبه ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف على نفسه ذكره الإمام فخر الدين.


{وما تأتيهم} يعني أهل مكة {من آية من آيات ربهم} يعني من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك وقيل المراد بالآيات آيات القرآن {إلا كانوا عنها معرضين} يعني إلا كانوا لها تاركين وبها مكذبين {فقد كذبوا بالحق} يعني بآيات القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أتى به من المعجزات {لما جاءهم} يعني لما جاءهم الحق من عند ربهم كذبوا به {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون} يعني فسوف يأتيهم أخبار استهزائهم إذا عذبوا في الآخرة.
قوله تعالى: {ألم يروا} الخطاب لكفار مكة يعني ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} يعني مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم الماضية والقرون الخالية. والقرن الأمة من الناس وأهل كل زمان قرن سموا بذلك لاقترانهم في الوجود في ذلك الزمان وقيل سمي قرناً لأنه زمان بزمان وأمة بأمة واختلفوا في مقدار القرن، فقيل: ثمانون سنة. وقيل: ستون سنة. وقيل: أربعون سنة. وقيل: مائة وعشرون، وقيل: مائة سنة. وهو الأصح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني: «إنك تعيش قرناً» فعاش مائة سنة. فعلى هذا القول: المراد بالقرن أهله الذين وجدوا فيه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» يعني أصحابي وتابعيهم وتابعي التابعين {مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} يعني أعطيناهم ما لم نعطكم يا أهل مكة وقيل أمددناهم في العمر والبسطة في الأجسام والسعة في الأرزاق مثل إعطاء قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم {وأرسلنا السماء عليهم مدراراً} مفعال من الدر يعني وأرسلنا المطر متتابعاً في أوقات الحاجة إليه والمراد بالسماء المطر سمي بذلك لنزوله منها {وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم} يعني: وفجرنا لهم العيون تجري من تحتهم والمراد منه كثرة البساتين {فأهلكناهم بذنوبهم} يعني بسبب ذنوبهم وكفرهم {وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} يعني وخلفنا من بعد هلاك أولئك أهل قرن آخرين وفي هذه الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع أهلكناهم لما كفروا وطغوا وظلموا فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عدداً وعدداً وهذا يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة.
قوله عز وجل: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس} الآية. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وإنك رسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس} يعني من عندي يعني مكتوباً في قرطاس وهو الكاغد والصحيفة التي يكتب فيه {فلمسوه بأيديهم} يعني فعاينوه ومسوه بأيديهم وإنما ذكر اللمس، ولم يذكر المعاينة، لأنه أبلغ في إيقاع العلم بالشيء من الرؤية، لأن المرئيات قد يدخلها التخيلات كالبحر ونحوه بخلاف الملموس {لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} يعني لو أنزلنا عليهم كتاباً كما سألوه لما آمنوا به ولقالوا هذا سحر مبين كما قالوا في انشقاق القمر وأنه لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي بهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8